ابن خلدون وقرّاؤه
Type de matériel :
... وإنّ نصّ «المقدّمة» لنصّ طيّع ذلول، ينقاد للقراءات المختلفة ويثير من الأسئلة ما قد لا يثيره نصّ آخر. هو نصّ طيّع ذلول بما درس من مواضيع المجتمع والدّولة والملك. والمرء إذا ما تدبّر هذه القضايا ثمّ حاول أن يتجاوز الوقائع المعيّنة والظواهر المحدّدة ، وجد أنّ «المجتمع» و«الدولة» و«الملك»، ساحة حرب ونزال ونزاع تسع ما تسع من صراع الإديولوجيّات، خاصّة إذا وقف القوم في ملتقى الماضي والمستقبل وحاولوا أن يتأوّلوا التاريخ ويؤوّلوه. ثمّ إنّ نصّ «المقدّمة» طيّع ذلول بما كان من موقف المؤلّف فيه. لقد أصاب بعض شرّاح «المقدّمة» حين ذكروا أنّ ابن خلدون كان قد اقتصر، فيما كتب، على فهم «تاريخ تمّ وانقضى». فقد أبى أن يحتذي حذو الفلاسفة الطوباويّين، ولم يقترح مشروع مجتمع عادل أو دولة فاضلة أو ملك مثاليّ. فيبدو الأمر شبيها بما لاحظه «ألتوسير» althusser فيما كتب عن «قراءة كتاب رأس المال». فقد اعتبر أنّ «إديولوجيّات التعويض»، كثيرا ما تتسرّب إلى تلك النصوص التي تتضمّن فجوات في بنيتها الإديولوجيّة. وبهذا الاعتبار فإنّ رفض ابن خلدون للمثاليّة، وتكرّهه للطوباويّة، قد حثّا قرّاءه على أن يقرؤوا «المقدّمة» حسب أهوائهم ومطامحهم ونزعاتهم...ستظلّ «المقدّمة» عرضة لقراءات إديولوجيّة مختلفة متنوّعة أو متعارضة متناقضة، شأنها في ذلك شأن «أمير» «مكيافلّي» أو «رأس مال» «ماركس»، وإن كانت «المقدّمة» تختلف عنهما في وجوه كثيرة عديدة...
Réseaux sociaux